
Similar Posts

دوما إلى الطفل الشهيد علي الدوابشة
كشمعٍ
ضاءَ يا ولديْ
أضأتَ النَّارَ في الجَسدِ

الرائحة تذكر
الرائحة تعود لتذكّر
الرائحة ذاتها
في المتروك

يا راهب الدير تبنا عن محبتهم
يا راهب الدير تبنا عن محبتهم وقد أنبنا فلا كاني ولا ماني ولا هوى رسه يبكي فتدمغه

كتاب مسموم
لاهيًا عن الدقائقِ التي تطنُّ في برجِ الساعة يقلِّبُ ملكٌ، بين صليلِ السّيوف وهفْهَفةِ ثيابِ عشيقاتِ الخِلسة، كتابًا ملتصقَ الصفحات وضعتهُ أمُّهُ عند سريرِ غريمهِ على عَرشٍ مُرصَّعٍ بعظامِ التراقي. الكتابُ أخضرُ، فمن يشكُّ في كتابٍ أخضر، أمّا الغريمُ المزعومُ فليسَ سوى صديقه الذي أنقذَه من نابِ الخنزير البريِّ عندما كانتْ سيوفُ المَكيدةِ مُطمنئةً الى شِفرتها القاطِعة لكن في ليلِ الخيانةِ المحبوكةِ جيدًا بخيوطٍ رفيعةٍ من الحريرِ والزِرنيخ لا تكفي حرارةُ اليد التي تربِّتُ على كتفكَ كي تعرفَ من معك ومن عليك. بابهامٍ مبللٍ بطرفِ اللسان وأنفاسٍ تدفعُ عقاربَ الساعةِ إلى الرنَّة الأخيرةِ يتذوقُ الملكُ مصيرًا طبخته لغيرِه عاطفةٌ عمياءُ في أبردِ قدورِها، يتلوّى من ضحكٍ لا يشبهُ ضحكًا آخرَ، متساءلًا عن سرِّ التصاقِ الصفحات فيأتيه الجوابُ على شكلِ زبدٍ طافحٍ من فمِ كلبِه الوفي. الكتابُ في مكانِه الصحيح. السمُّ كاملُ الدسم، لكن الذي راحَ ينتزعُ الصفحاتِ الملصوقةَ بذرق الشيطان كانَ الشخص الخطأ.

تحليق منخفض
في المقهى الذي اعتدتَ ارتيادَه لتشربَ قهوتَكَ السوداء وتستعيدَ أوصالك المبعثرة في صباحاتِ الأحد المتلكّئةِ كالأماني، سمعتَ شخصًا يكلّم بهاتفه المحمول، كما يبدو، امرأةً على الطرفِ الآخر من الخطِّ ، فلم تعرف، فعلًا، إن كانَ يكلّم امرأةً، أو يُمثِّل أنَّه يتكلم، فمكلمو أنفسهم، هنا، لا يثيرون انتباهًا ولا يتوقف أحدٌ عند مونولوغاتهم الطويلة، لكنَّ لغته المُلَغَّزة التي لا يسمعُها المرءُ كثيرًا في مدينةٍ ترطنُ، مع ذلك، بمئةِ لسان هي التي كسرتْ قاعدةً مرعيةً تقول: ما تسمعه هنا أتركه هنا، هكذا سمعته يقول إنه يجلسُ، الآن، في مقهاه الذي اعتادَ ارتيادَه في صباحاتِ الأحدِ المتلكّئةِ كالأماني ثم سمعته يقول إنه لا يفعلُ شيئًا سوى احستاء قهوته السوداء واستجماع أوصاله المبعثرة ثم سمعته يقول إنه لاذَ بالصمت لأنَّ تلك الكلمة أخذته على حين غرَّةٍ فهو توقّعَ، بالطبع، شيئًا قريبًا منها ولكن ليسَ تلك الكلمة التي لا تُقال إلاّ عندما تبلغُ القلوبُ الحناجرَ، ثم طرأتْ انعطافةٌ حادّةٌ في الكلام أحسسّتَ برَجَّتها في حجابِك الحاجز حين قال إنه مشتاقٌ، والله مشتاقٌ، ثم استدركَ، بتغيرٍ ملحوظٍ في نبرته، إلى صوتكِ طبعًا، متذكّرًا صديقًا له فلسفةٌ خاصةٌ في أنطولوجية الأصوات سيشرحُها ربّما في ما بعد، ثم قال إنّ صوتها ساحرٌ، لا ليس ساخرًا، ساحرٌ، مُنوِّناً الراء كضربةِ صنج. بحَّةٌ؟ نعم فيه بحَّةٌ مُغويةٌ وهذا أدعى إلى الحذر لأنّ للمذيعاتِ المتوارياتِ وراء الراديو في برامج منتصفِ الليل تلك البحَّة أيضًا، ثم لاحظتَ أنّ فترات صمتِ الرجل على هاتفٍ يصبُّ فيه بوحٌ مُتردِّدٌ من جهتين صارتْ تطولُ، وجسدَه راحَ يرتفعُ عن الكرسيِّ ويحلِّق في الهواءِ الفاتِر.

عدم اهتمام
تظنّ أنَّ الذين تمرّ بهم كوعلٍ مذعورٍ في لقطةٍ بطيئةٍ لا يرونك، فالبقّالُ يواصلُ رفعَ الأوراق النقديّة إلى عينيه الضيقتين للتأكّد من سريان المادّة التي تحفظها من الفساد، ومصففةُ الشَعر التي كانت فتاةَ غلافِ مجلةٍ محليِّةٍ في السعبينات تنحني على رؤوسٍ مُسنّاتٍ مستسّلماتٍ لمقصّها الغضوب والمشرّدُ الخلاسيُّ الذي يهرولُ بين محلِ الرّهانات وناصيةِ الشارع لا يتذكّر أنّك نفتَحه شيئًا في الذهاب فيطالبُك بحصّته التي قرَّرها، من جانبٍ واحدٍ، في جيبك المثقوب في الإياب، إنس، طبعاً، النادلة الحسناء التي تطلبُ منها يوميًا نفس كوب القهوةِ السوداء بقطعتينِ من السّكر، ولكن جرِّب أن تخرج عن هذا المدارِ قليلًا لترى كم كنتَ قريبًا من أنفاسٍ باردةٍ تركتْ ندبًا على جسدٍ تنساه، أحيانًا، في آخرِ قطارٍ يشقُّ الليل.